بحث مخصص

بقلم شادي طلعت .. مصر بلد الممكن

بإعتباري شخص مدخن فأنا بطبيعة الحال لا أميل إلى الأماكن التي يمنع فيها التدخين و بكل تأكيد أجد نفسي أذهب إلى حيث يكون التدخين أمراً مباحاً ! حتى لو كان المكان المخصص للمدخنين أفل درجة أو درجات من الأماكن الغير مخصصة للمدخنين ، و التدخين عادة غير مطلوبة و أنا أنصح غيري بعدم التعود عليها حتى و إن كنت أنا من المدخنين !
و لكني أردت أن أسترجع الماضي الذي بدأت فيه بممارسة التدخين حتى أصبح عادة لا أستطيع التخلص منها بسهولة و أعود بذاكرتي إلى الوراء ـ و أذكر أول سيجارة شربت أنفاسها كانت من صديق أعطاني إياها وقت أن كنا في باص تابع للنقل لعام و كنا نستقله من مدينة شبين الكوم إلى مدينة طنطا ، حيث كنت في السنة الأولى بكلية الحقوق جامعة المنوفية و التي لم أدرس فيها إلا عام واحد فقط إلا أنني بعد هذا العام دخلت عالم المدخنين و الذي أرفض الخروج منه الآن !؟
و أذكر أنني بعد أول سيجارة و أنا في باص النقل العام شعرت بدوار و لكن لم يلحظ أحد ما كنت أشعر به إذ أنني كنت أجلس على كرسي و لم أكن واقفاً ، و بعد أن وصل الباص إلى مدينة طنطا كان الشعور بالدوار قد بدأ يزول .
و بعد تجربة السيجارة الأولى إنتابتني حالة نفسية سيئة إذ أنني سألت نفسي لماذا أقدمت على فعل كنت من أكثر المعارضين له !؟ فالتدخين كنت أراه عادة سيئة و مضرة بالصحة بل و مضرة بالمجتمع ككل ، إلا أنني بدأت أيضاً بالرد على نفسي مرة أخرى .. و قلت هل أنا حريص على الناس أكثر من حرص الدولة عليهم ؟ و كيف يكون التدخين أمراً مضر و هو مباح في كل مكان فأنت تستطيع أن تدخن بالمنزل و الجامعة و في مواصلات النقل العام و النقل الخاص و في الشارع و على الأرصفة بل و تستطيع أيضاً أن تلقي بأعقاب السجائر في أي مكان و على أي أرض !
و من منطلق هذه الإجابة قررت أن أستمر في التدخين ، و لأن التدخين في بلد مثل مصر أمر أجده الآن أصبح ضرورة ، ففي ظل الضغوط الحياتية اليومية و في ظل حالة المناخ المسيطر عليها نظرية المؤامرة سواء في المدرسة أم الجامعة أم الحزب أم الشارع أم ..... إلخ ، و في ظل تردي الأوضاع الإقتصادية و إنتشار الفقر ، أصبح التدخين ضرورة .. و الأهم من هذا و ذاك هو توفر السجائر لكافة فئات المجتمع !!!؟
فالفقير في مصر يستطيع التدخين و الغني يدخن أيضاً بأنواع سجائر أخرى غير التي يستعملها الفقراء .
وحتى أكون منصفاً لمصر فإنني أقارن أوضاعها بغيرها من الدول الأخرى خاصة الدول التي زرتها بنفسي و شاهدت فيها آلية التعامل مع المدخنين ، ففي أوربا على سبيل المثال يمنع التدخين منعاً باتاً داخل الأماكن المغلقة و على من يريد التدخين أن يمارسه في الهواء الطلق و في الشوارع و الحدائق ، و في بلد مثل دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة يمنع التدخين أيضاً في الأماكن المغلقة كما أنه يمنع في الشارع إلا إذا كان المدخن يقف بجوار مكان مخصص للمدخنين فيه سلة مخصصة لإلقاء أعقاب السجائر فيها حيث أن إلقاء أعقاب السجائر على الأرض ممنوع ! و الغرامة تصل إلى 500 درهم أي ما يعادل 825 جنيه مصري و هو رقم كبير في مصر !؟
و قياساً على التدخين نجد أن مصر ليست بلد الممكن في التدخين فقط بل هي بلد الممكن في كل شيئ ، فهي من أكثر دول العالم تقدماً في الفساد و من أفضل دول العالم في إنتهاك حقوق الإنسان و ليست السجائر وحدها رخيصة الثمن و متاحة بل يوجد ما هو أرخص منها ثمناً و هو الإنسان ؟
إنني و بعد مرور 17 عاماً مرت علي و أنا مدخن أعود و أسأل نفسي سؤالاً :
هل لو كان التدخين ممنوع في المواصلات العامة .. كنت سأصبح من المدخنين الآن ؟
و ما هي حكمة النظام الحاكم بترك كل ما هو غير مباح في دول العالم مباح في الأراضي المصرية ؟
ملاحظة أخيرة :
القضاة و أعضاء النيابة العامة في مصر يتمتعون بإمتيازات و كأننا في عصور الإمتيازات الأجنبية وقت الإحتلال الإنجليزي ، و هي إمتيازات خاصة بالقواعد المرورية فلهم الحق في تخطي السرعات المطلوبة و لهم الحق في كسر الإشارات المرورية ، بينما في دولة قطر تصل الغرامات إلى 50000 ريال قطري أي ما يعادل 75000 جــ خمسة و سبعون ألف جنيه مصري و هي غرامة تطبق على من يخالف إشارات المرور ، و لا تستثني أحداً !
في النهاية أعلن أسفي لأن كل شيئ في مصر " ممكن " و هي ليست فقط بلد الممكن و لكنها أيضاً بلد اللامعقول .


أقول قولي و على الله قصد السبيل


شادي طلعت